الانتقال للجزء الاول للمحطة التالية من هذا المسار لا تتطلب أي جهد، بل بالبقاء في نفس الموقع، وتأمل مدخل رابع مغاير، ابسط في التشكيل واقل زخرفة من مداخل قصر الست طنشق، والمقصود به هو المدخل الشمالي لمجمع العمارة العامرة المعماري، وتتوفر امكانية محدودة ايضا لزيارة مطبخ العمارة العامرة ، اثناء توزيع الاكل والشوربة التي تطبخ في التكية، بعبور هذا المدخل الشمالي لمبنى العمارة العامرة ونزول الدرجات للوصول للمطبخ. لكن الوصول للمدخل الثاني الجنوبي والذي يشكل الجزء الثاني من محطة هذا المسار، يتطلب الانحدار الى طريق الواد، والانعطاف جنوبا والسير في الطريق حتى مدخل سوق القطانين الغربي، ومن ثم الصعود في طريق عقبة الخالدية لعدة امتار والانعطاف يمينا حتى وسط عقبة السرايا حيث مدخل دار الايتام. ويمكن في حالات محدودة زيارة بعض مرافق قصر الست طنشق او بعض مباني العمارة العامرة بالاستئذان من مسؤولي دار الايتام الاسلامية حيث تقوم مكاتبهم مباشرة عند المدخل الجنوبي للعمارة العامرة.
المقصود بالعمارة.
و«العمارة» هي لفظة تركية الأصل تعني المبنى الذي يقدم فيه الطعام للفقراء والغرباء خاصة الشوربة، وعرفت بالقدس باسم «خاصكي سلطان»، أو تكية خاصكي سلطان. ولفظة التكية أصلا تركية tekke تشير إلى مؤسسة صوفية، لكن التكية في لغة أهل القدس الدارجة، تعني مكان الأكل المجاني، وبخاصة الشوربة، نسبة إلى مطبخ خاصكي الذي يوزع الشوربة المجانية.
المدخل الشمالي
مجمع العمارة العامرة كبير جدا بحيث ان له مدخلين، الشمالي الذي يجاور المدخل الشرقي لقصر الست طنشق، يتكون من عقد ثلاثي الفتحات، محاط بزخرفة قالبية، ويعلو فتحة المدخل عقد مستقيم، زين مفتاحه أي الحجر الاوسط بزخرفة حجرية مشكلة من وريدة ذات عدة طبقات، تشبه ما يوجد على مدخل تكية خاصكي سلطان في اكساراي(Aksaray) في استانبول، ويلاحظ اختلاف اسلوب البناء هنا بين قصر الست طنشق والعمارة العامرة، لان القصر ينتمي الى مدرسة العمارة المملوكية في حين ان العمارة العامرة تنتمي الى مدرسة العمارة العثمانية. يفضي المدخل الشمالي إلى دركاة توصل إلى ساحة مكشوفة تقسم إلى قسمين حسب منسوب أرضيتها. وفي هذا القسم مطبخ العمارة العامرة ومخازن وسبيل للماء ومبنى من طابقين يشغل أحد قاعات الطابق السفلي فرن.
المدخل الجنوبي
والمدخل الجنوبي (انظر كيفية الوصول اليه اعلاه)، مشكل من عقد كبير يشبه عقد باب العمود في تكوينة وزخارفه، ويوصل إلى دركاة جدرانها غنية بالزخارف الحجرية الدائرية وتوصل إلى ساحة مكشوفة محاطة بأروقة تشكل خان العمارة العامرة. والى الشرق من الخان وساحته المكشوفة، يقوم مبنى أنشئ في القرن التاسع عشر يعرف بمبنى العدلية، والواقع يظهر ان العمارة العامرة مشروع معماري ضخم يضم اربعة ساحات مكشوفة، وبضعة أدراج صاعدة ونازلة ، وعدة مبان مركبة، بعضها مكون من طابقين ومن مجموعة من الغرف والقاعات المختلفة الأحجام وأسلوب البناء.
المؤسس
المبادرة الى انشاء وقف العمارة العامرة هي زوجة السلطان سليمان القانوني، والاسم الأصلي لخاصكي سلطان هو روكسلانه لان «خاصكي» هو اللقب الذي اشتهرت والذي يعنى أثيرة أو محبوبة السلطان، حيث تكون مكانتها أعلى من كل جواري وحظايا السلطان وعرفت ايضا بـ «خرم» الذي يحمل عدة معاني مثل المرحة، الضاحكة، المبتهجة ويبدو ان ما توفر فيها من صفات وجمال وذكاء وشخصية مكّنها من إقناع السلطان أولا بتحريرها من الرق، وثانيا بالزواج منها. واشتهر ان السلطان قد بقي وفيا لها منذ تعارفهما وحتى مماتها.
الوحدات المعمارية لمبنى العمارة العامرة
ان وحدات المبنى كما وردت في الوقفية هي: خان كبير لنزول المسافرين والتجار، ومسجد ذات قباب وعقود، ورباط مؤلف من 55 غرفة لإقامة الصوفية والفقراء، ومطبخ كبير اُلحق به فرن وطاحونة وعدة مخازن وسبيل لتوفير المياه العذبة للمقيمين وللطبخ، واغلب هذه الأجزاء فيما عدا الرباط والمسجد باقية ويمكن مشاهدتها.
شروط الطعام وكمياته
حرصت خاصكي سلطان على بيان قائمة الطعام وشروط توزيعه حيث شرطت ان يطبخ صنفان من الشوربة يوميا، الاول شوربة أرز للغذاء بحيث تتكون الوجبة من المقادير التالية: أرز(16.380 كغم) سمن (2.457 كغم)، حمص(1.228 كغم)، بصل (1.638 كغم)، ملح (2.047كغم)، لبن حامض (20.475 كغم)، وبقدونس بما يعادل اربعة دراهم، ويصرف من الحطب (49.14 كغم) لإنضاج الشوربة. وأما الصنف الثاني فهو شوربة قمح (فريكة) وتكون للعشاء (ما عدا ليلة الجمعة) وتحتوى على المقادير التالية: من القمح (14.212 كغم)، سمن(2.457 كغم)، ملح (2.047كغم)، بصل(1.638كغم)، كمون (614. كغم)، حمص(1.228 كغم)، و من الحطب (57.33 كغم) لطبخ الشوربة. ويخبز كل يوم 2000 رغيف من نوع فدولة (خبز قمح اسود)، يزن الواحد منها 281.25 غراماً أي ينتج يوميا ما يعادل 562.5 كغم من القمح، يضاف إليهم ملح (2.457 كغم) ومن الحطب (45.045كغم). وهذا مثال بسيط لما كان يطبخ في هذه المؤسسة الخيرية، ومن حسن الطالع انه رغم عوادي الزمن، وضياع اغلب الوقف لانه في داخل فلسطين، فان التكية لا تزال عامرة وتقدم الشوربة والارز واللحم لمن يحتاج من سكان البلدة القديمة في ايامنا هذه وخاصة في شهر رمضان المبارك، بفضل سعي أهل الخير من المتبرعين.