الموقع
باب الاسباط هو الباب الوحيد المفتوح في الجدار الشرقي للبلدة القديمة لمدينة القدس منذ تأسيسه وحتى اليوم، وقد ارتبط الباب بمجموعة من الأساطير التي لا أساس لها وتتناقض مع المعطيات التاريخية. يقع باب الأسباط في الجدار الشرقي لسور البلدة القديمة، ويتوصل إليه عبر طريق صاعد من وادي قدرون (وادي جهنم) وهذه الطريق تفصل بين مقبرتين إسلاميتين، الجنوبية تعرف بمقبرة باب الرحمة، والشمالية باسم المقبرة اليوسفية، نسبة إلى يوسف بن شادي اي صلاح الدين الايوبي.
اسماء الباب
حظي باب الأسباط بعدة تسميات لا يزال اغلبها متداولا حتى اليوم، منها إضافة إلى باب الأسباط، باب ستنا مريم، باب القديس اسطفان1، وباب الأسود. وهناك أسماء أخرى، مثل باب الغنم، وباب الغور (الأردن) وباب أريحا. وبخصوص تسمية الأسباط، فالواقع ان هذا يدل على مبادئ وتسامح المسلمين وعدم ميلهم للتعصب، فلم يتحرج المسلمون عبر تاريخهم الطويل في القدس من تسمية مجموعة من العمائر والأماكن على أسماء شخصيات وأنبياء من الديانة اليهودية أو المسيحية. وقد نص القران الكريم على هذا التسامح في قوله تعالى في سورة البقرة أية 285: «آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته ورسله لا نفرق بين احد من رسله». ومن الأسماء المشهورة «باب الأسود السباع Lions Gate» ، ويعود هذا لوجود أربعة سباع بواقع اثنين إلى شمال واثنان الى جنوب عقد الباب. وهذه السباع في الواقع هي رنك «شعار» السلطان المملوكي بيبرس (658-676/1260-1277)، وهذا الشعار كان ينقش على ممتلكات الظاهر بيبرس من عمائر ونقود، وأدوات، كما كان جاريا في العصر المملوكي.
وقد نقلت هذه السباع من أنقاض الخان الذي اسسه الظاهر بييرس في ظاهر القدس، إلى الجنوب الغربي من باب الخليل، حيث محطة سكة الحديد القديمة.
اساطير أسود باب الاسباط
نسج حول هذه الأسود عدة أساطير أولها ما قيل ان هذه الأسود كانت ستأكل السلطان سليم والد السلطان سليمان القانوني، إذا ما هم بتدمير القدس، والواقع ان هذه الأسطورة لا تستحق أي تعليق نظرا لضعفها وتناقضها مع المعطيات التاريخية الخاصة بتصرفات السلطان سليم اتجاه القدس واحترامه لها، حيث ورد عنه انه فرح بفتح القدس باعتبار انها قبلة المسلمين الأولى، وقد خرج العلماء والأتقياء لملاقاة سليم شاه، وسلموه مفاتيح المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ثم قدم الهدايا لأعيان البلد جميعا وأعفاهم من الضرائب الباهظة وثبّتهم في وظائفهم، وورد في موسوعة ويبيكيديا الالكترونية ان سليمان وضع هذه السباع ليحتفل بانتصار العثمانيين على المماليك في عام 1517، علما بان أكثر من عقدين يفصلان بين معركة مرج دابق وبناء باب الأسباط مما يضعف هذا الرأي، إضافة إلى ان سليم هو الذي انتصر على المماليك وليس سليمان. وتستمر الموسوعة في اللغط وتنسب سبب وضع السباع إلى الضرائب الكثيرة التي فرضها سلميان على أهل المدينة، مما جعله يرى السباع تهاجمه وبعد تفسير الحلم ونسبته إلى سياسة سليمان الضرائبية فقد قرر بناء هذا الباب ووضع السباع عليه.
وذكر الرحالة التركي أوليا جلبي في عام 1082/1671، رواية يفسر فيها أسباب اهتمام السلطان سيلمان القانوني (926-974/1520-1566) بالقدس وقد عزا ذلك إلى حلم مفاده ان النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- ظهر في ليلة مباركة للسلطان سليمان وقال له:
«… وإني آمرك ان تنفق الغنائم على تزيين مكة والمدينة وتحصين قلعة القدس لتصد عنها الكافرين عندما يحاولون الاستيلاء على القدس في عهود خلفائك. وعليك ان تزين حرمها ببناء حوض للماء فيه وان تمنح الدراويش فيه هبات المال السنوية وان تزين قبة الصخرة وتعيد بناء القدس».
ويفصل بين عهد سليمان وكتابة جلبي أكثر من قرن، وعليه يجب ان تؤخذ هذه الرواية على محمل الحذر باعتبارها تمثل معارف عصر جلبي، وان هناك أسبابا عملية ودينية أخرى ناقشها كثير من المختصين ودفعت بسليمان للعناية بالقدس وعمائرها، فعصره عصر ذهبي للقدس، واثاره لا تزال تشهد على مدى اهتمامه وعنايته الفائقة للمدينة.
والواقع ان هذه الرواية على طرافتها، قد حرفت وغيرت بحيث تم إسقاط ظهور النبي-عليه السلام- واستبدل بظهور اسود أربعة تهاجم سليمان وتقطعه اربا اربا. وحينما طلب تفسيرا للرؤيا قيل له ان هذا نتيجة لغضب الله عليه، لأنه لم يهتم بمدينة القدس وتركها مهملة حيث جدرانها مهدمة وقلعتها قد أحرقت. وعليه أمر السلطان بالشروع في أعمال المدينة فرممت الأسوار وفتحت الأبواب فيها ونقشت الأسود على هذا الباب. ولا شك ان هذه الأسطورة لا أساس لها من الصحة، وقد شاعت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتفسر وجود السباع على هذه الواجهة باسلوب مشوق.
مؤسس باب الاسباط
لباب الأسباط لوحة كتابية تأسيسية توجد على الواجهة الجنوبية الداخلية وتبلغ مساحة هذه اللوحة 80 سم x 40 سم. وقد كتبت بخط الثلث العثماني وحالتها جيدة وان كان السطر الثاني يعاني من تآكل بعض الحروف. ونص الكتابة:
أمر بإنشاء هذا السور المبارك مولانا السلطان سليمان بن سلطان سليم خان.. خلد الله ملكه بتاريخ في سنة خمس وأربعين وتسعماية
واجهات باب الاسباط
لباب الأسباط ثلاث واجهات: شرقية فخمة تقابل الداخل للبلدة القديمة، وغربية وأخرى جنوبية يغلب على نسيجهما البساطة. والواجهة الشرقية حجرية ضخمة والقسم السفلي من هذه الواجهة يرتفع حتى 11 مدماكا بني من حجارة كبيرة غير مهذبة أي طبزة. وفتح في وسط هذه الواجهة مدخل يعلوه عقد مستقيم حجري مكون من ثلاث عشرة صنجة ويقوم فوق العقد مباشرة لوحة حجرية تأسيسة مستطيلة، الأصل فيها ان تحمل كتابة، لكن يظهر انها هنا زخرفية أسوة بمجموعة من هذه اللوحات في السور وبعض الآثار العثمانية الأخرى. ويحيط بهذه اللوحة من كلا الجانبين (الشمالي والجنوبي) زخرفة من الدوائر الحجرية (دسك) الغفل من الزخرف، ويعلوها حلية حجرية ناتئة (Boss) قوامها زخرفة هندسية مفرغة و محفورة بالحفر الغائر. ويتوج هذا المدخل عقد مدبب كبير ويحيط بعقد المدخل نقش بارز لأربعة سباع، بواقع زوج في كل جانب بوضع مواجهة أو مقابلة، ونقش السباع معبر وفيه قوة ورشاقة خاصة في تعابير الوجه وأصابع الأرجل والايدى، وكذلك في ذيل كل سبع، وان كان حالة زوج السباع في الجهة الشمالية يعاني من بعض التآكل خاصة ذلك السبع الواقع في أقصى جهة الشمال. ويلاحظ وجود خمسة مزاغل فتحت في واجهة باب الأسباط الشرقية، والهدف من هذه المزاغل كان لرمي السهام والبارود ولإتاحة الفرصة لمراقبة الخارج.
تخطيط باب الاسباط
مثل غيره من ابواب سور القدس روعي في تخطيط باب الأسباط ان يكون منكسرا وبزاوية قائمة بهدف إعاقة وكشف المهاجمين في حال تمكنهم من اقتحام بوابة السور الرئيسة. لكن اليوم، وبعد ان ازيل الجدار المقابل للمدخل، فانه يمكن السير بخط مستقيم، وهذا تم في الاغلب لتسهيل مرور السيارات، وتم هذا على الارجح في فترة الانتداب البريطاني. ونظمت سقاطات ما بين عقد الباب وصدره، تسمح بإلقاء المواد التي تعمل على إعاقة الاقتحام وتلحق الضرر بالمحاصرين.
اذا تقرر الاكتفاء بهذا القدر من السور بعد مشاهدة باب الاسباط، فيمكن الولوج الى البلدة القديمة من طريق المجاهدين، لمتابعة بعض المسارات او زيارة المسجد الاقصى، ولكن اذا كانت الرغبة الاستمرار في مسار السور الكامل، فيمكن التوجه عبر مقبرة باب الرحمة، والسير بالطريق مع تأمل المشهد لجبل الزيتون وآثارة مع مراقبة كبر حجم الحجارة والمداميك في هذا القطاع من الجدار الشرقي للسور، حيث يشترك سور المسجد الاقصى مع سور القدس على بعد بضعة امتار من باب الاسباط، وهنا يجدر ملاحظة شاهدي قبر الصحابي عبادة بن الصامت وشداد بن اوس والترحم عليهما وعلى الاموات، ومتابعة السير لمشاهدة واجهة باب الرحمة وباب التوبة (الباب الذهبي)، وتتبع الطريق والسير جنوبا مع تحديق النظر الى اعلى الجدار، فيشاهد عمود بارز يعرف باسم الصراط، وبعد الصراط بعدة امتار، سيبلغ السائر الزاوية الجنوبية الشرقية لسور القدس، وسور المسجد الاقصى حيث المصلى المرواني، وحينها على الزائر ان يسير مع الطريق المعبد ليصل الى باب المغاربة في الجدار الجنوبي لسور القدس، وهنا تبدأ الطريق في الارتفاع قليلا لتتناسب مع طبوغرافية المدينة