اشهر اديرة برية القدس
انتشرت في فلسطين في العصر البيزنطي ظاهرة خروج مجموعة من الرهبان المتنسكين من المدن للإقامة في اماكن منعزلة في صحراء القدس. وقد بدأت هذه الحركة في صعيد مصر، ومن ثم انتقلت الى فلسطين وتعمقت فيها، بحيث اظهر المسح الاثري ما يقرب من 80 موقعا في صحراء القدس، تلك المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها 80كم طولا في 20 كم عرضا. ولقد استقطبت هذه الظاهرة دراسات اكاديمية واثرية حتى انها كانت موضوع لابحاث لنيل لدرجات الماجستير والدكتوراة. ومن المواقع التي ارتبطت بهذا النوع من التنسك والتوحد نذكر على سبيل المثال دير مار سابا قرب قرية العبيدية في بيت لحم، ودير وادى القلط (سانت جورج-كوزيبا) الواقع على طريق القدس اريحا، ودير حجلة قرب المغطس على نهر الاردن، ودير قرنطل في اريحا.
رواد واعلام رهبنة الصحراء
واما من حيث الاشخاص فقد ارتبطت هذه الظاهرة في صحراء القدس بثلاثة شخصيات كل واحد اثر بخلفه. الاول الراهب خريطون Chariton الذي اسس اول لورا Laura في حدود سنة 330م، ويوثميوس(376-473) Euthymius، الذي جذب الاف المنخرطين في هذا المسلك، وسابا (439-532) Sabas المنظم الاعظم لهذه الظاهرة.
مسالك الرهبنة
وكان هناك طريقتان لهذا المسلك، الاولى تعرف باسم (Coenobium) حيث يجتمع ويعيش مجموعة من الرهبان في دير، عيشة مشتركة تعاونية، كل فرد يقوم بعمل محدد اضافة الى نشاطه الاساسي في العبادة والتامل والصلاة والقراءة، وعادة ما يكون هناك صلاة مشتركة واخرى منفردة، لكن الاكل والنشاط الاجتماعي اليومي هو مشترك وتعاوني. وهذا النوع استلزم وجود موقع له سور يحيط بمرفقات متعددة تتكون من كنيسة وقاعة للاجتماع والطعام، ومصدر قريب للمياه، وبستان لبعض المزروعات ووحدات معمارية صغيرة للاختلاء.
والطريقة الثانية تعرف باسم لورا (Laura) وهي عيشة منفردة لمجموعة من الرهبان في محيط معين: كل واحد يسكن في الاغلب في مغارة او خلوة وياكل ويتعبد لوحده لمدة خمسة ايام في الاسبوع، لكنه يجتمع كل سبت واحد مع زملائه في المكان العام للعبادة المشتركة، ثم ياخذ بعض الزاد ويعود الى خلوته.
وسواء كان العيش حسب الطريقة المشتركة او المنفردة، فقد غلبت البساطة الشديدة والتقشف على مسلك ومآكل هؤلاء الرهبان، فقد اعتمدوا في الاساس على الخبز وعلى ما تمنحة لهم البيئة القاسية المحيطة بهم من مزروعات وفاكهة وعمدوا الى تجفيف بعضا منها، واحيانا كان لهم نشاط اقتصادي بسيط في استصلاح قطع من الاراضي القابلة للزراعة، لكن القمح استورد من الاردن للاديرة الكبيرة، وفي نسج السلال والحبال لتبادل هذه السلع والمنتجات مع اهل المدن او التجمعات المجاورة لهم. والواقع ان هذا الاختلاء والتفرد والبعد عن صخب المدينة قد اتاح لبعض الرهبان ان يصقلوا ما لديهم من مواهب في الشعر والادب واللاهوت مما اثرى الحياة الثقافية للديانة المسيحية.
دير وادي القلط
الولوج والاستقبال
هذا ويمكن الصعود الى الدير، لكن مشيا على الاقدام، ولمن يحب المشي ويقدر عليه دون آلام المفاصل، فان المسار رائع، خاصة السير بجانب قناة المياه، ومشاهدة بعض الاشجار والنباتات النامية، والزيارة مرحب فيها قبل الظهر وبعده وللعنصر النسائي ايضا، وسيجد الزائر القهوة والماء البارد بانتطاره للترحيب به بعد عناء النزول الى الوادي والصعود الى الدير ومرفقاته الجميلة وتتبع قناة المياه الرومانية المجددة اكثر من مرة.
مرفقات الدير
وفي الدير مغارة تنسب الى النبي الياس يتوصل اليها عبر درج من قاعة الدير الداخلية، وحسب بعض الاساطير فانه يعتقد ان النبي عاش فيها لمدة ثلاثة سنوات. ومن مرفقات الدير ايضا كنيسة، على اسم العذراء مريم، وفي الدير جماجم لمجموعة من الرهبان الذي قتلوا اثناء الغزو الفارسي وقبر للقديس جورج الذي سمي الدير على اسمه.