مقام (مجمع)النبي موسى

مقام (مجمع)النبي موسى

مقام (مجمع)النبي موسى

بعد الانتهاء من زيارة واد القلط والدير، يعود الزائر الى طريق القدس اريحا عند مفرق مرقب اريحا ويتجه صوب مدينة اريحا، وبعد قطع ما مسافته 6- 7 كم تقريبا يتبع اشارة الطريق الى مقام النبي موسى، حيث يقع  المقام إلى الشرق من مدينة القدس.

 

الموقع ودوافع البناء

يوجد المقام إلى الجنوب من أريحا، في منطقة صحراوية منعزلة، قليلة الغطاء النباتي، في وسط كثبان رملية، تشرف على منطقة البحر الميت. وكمن وراء إنشاء مقام النبي موسى عدة دوافع، لعل أولها تكريم نبي الله موسى باعتباره من الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم، ولأن المسلمين يعتبرون عقيدتهم مكملة ومصححة للديانات السماوية السابقة (اليهودية والمسيحية) استنادا للآية القرآنية: «آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير» (البقرة 285). وإقامة المقام بهذه السعة في تلك المنطقة قد يفسر كرد فعل للرغبة في إيجاد توازن مع مجموعة الأديرة التي وجدت في المنطقة منذ الفترة البيزنطية.

 

رعاة المقام والمجمع المعماري

ومع انه يتوفر إشارات وردت في المراجع التاريخية تفيد بان موسم النبي موسى قد بدأ في الفترة الأيوبية، إلا انه لا ينسب لهذه الفترة ايه بقايا معمارية، واقدم ما يوجد يعود إلى عهد السلطان المملوكي بيبرس الذي أمر ببناء المقام في سنة 668/1269-1270.  وبيبرس هو من مؤسسي دولة المماليك، كان مجاهدا وإداريا حازما، وله نشاط معماري في القدس وفلسطين وأنحاء أخرى من الدولة المملوكية خاصة في القاهرة. ومنذ جهود بيبرس وحتى فترة الانتداب البريطاني (1917-1948) لم تنقطع الترميمات والإضافات والتوسعات (خاصة في العهد العثماني) في المقام، بعضها وصلتنا  أسماء من قاموا بها، لكن اغلبها تم على أيدي أهل الخير ممن ترفعوا عن تسجيل أسمائهم. وممن اعتنى بالمقام في العهد العثماني -على سبيل المثال- الافندي حسام الدين(على الأرجح كان المشرف أو الممول) في سنة 1013/1604، والشيخ محمد الخليلي في حدود عام 1139/1726، ومفتي القدس محمد طاهر الحسيني في 1303/1885.

 

مكونات المقام المعمارية

ومعماريا، يعتبر مقام النبي موسى، اكبر مجمع ديني في فلسطين بعد الحرم الشريف، فهو يغطي مساحة تقرب من خمسة دونمات مسورة من الجهات الأربعة تضم ثلاث طوابق.  ويدخل للمجمع عن طريق باب فتح في الواجهة الغربية، يؤدي إلى ممر يوصل إلى ساحة مكشوفة مركزية يحتل المسجد ذو البلاطات الخمسة، والمقام، وآبارا للمياه وسطها. ويحيط بهذه الساحة مجموعة من الغرف والقاعات المتعددة يربو عددها عن مائة غرفة مختلفة المساحة والأشكال. ويحوي المجمع على إسطبل في طابق التسوية، وأروقة ومخازن وفرنين ومطبخين لطهو الطعام في الطابق الأرضي. ويوجد للمجمع مأذنة ارتفاعها متوسط، لكن عوض بالارتفاع الطوبوغرافي للمكان ذاته عما يحيط به، وتتيح هذه المأذنة لمن يصعد على شرفتها رؤية رائعة تظهر فيها سلسلة جبال الأردن.   ويتقدم المجمع من الجهة الغربية ساحة مكشوفة فسيحة تستقطب العروض والفعاليات المتنوعة في فترة نشاط الموسم، وتستخدم كموقف للسيارات في الأيام العادية الأخرى. ويوجد مقبرة واسعة  في الجهة الشرقية والشمالية للمجمع لا تزال تستخدم لدفن الموتى ممن يوصون أو يتبركون بالمقام حتى يومنا هذا.     

وبالإضافة إلى أيام الموسم المحددة التي يزدحم فيها الناس ازدحاما لا يطاق، فان المجمع يجذب عددا من الزوار المحليين ومجموعات من مسلمي الهند وماليزيا وأقاليم جنوب شرق آسيا وبعض الوفود الأوروبية وذلك على مدار العام.

 

موسم المقام

كان لمقام النبي موسى موسم وهو اعظم المواسم وأكثرها شهرة،  ولا يزال هذا الموسم مستمرا، حيث يبدأ في يوم الجمعة الذي يسبق الجمعة الحزينة لدى الارثودكس، أي فيما بين 22 اذار إلى 25 نيسان، ويستمر لمدة أسبوعا. ويمكن إيجاز فعاليات الموسم كما وثقت في نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن بالصورة التالية.

 

فعاليات الزفة

يستهل الموسم بتجمع أهل القدس والمتولون لوقف النبي موسى في باحة الأقصى، ثم يتوجهون إلى أريحا عبر رأس العمود، بعد أن يمر الموكب في طريق المجاهدين (الآلام) وباب الأسباط. وكان أهل المدن، خاصة مدينة نابلس والخليل وبقية من أهل القدس، يلحقون بهم وهم يسيرون بموكب تعلوه الأعلام والرايات، المزينة بالآيات القرآنية، والكتابات الخطية التي تشير إلى الخلفاء الراشدين وأسماء أقطاب الصوفية. وكانت فرق الدبكة والزفة المصحوبة بالموسيقى والرقص تصاحب الموكب. وكان الناس يستخدمون السيارات والخيول للوصول إلى المقام. وحينما كانت الجماهير والمشاركون يصلون إلى مشارف المقام، خاصة الفرق الصوفية المتعددة، كان يشتد الحماس ويعلو إيقاع الدفوف والطبول وتتنوع حركات الاستعراض من التلويح بالعصي ومنازلة السيوف في حركات متقنة من الكر والفر والضرب والصد والتمايل يمينا وشمالا مختلطة بزغاريد النساء وهتاف النظارة. 

 

تراتيب وفعاليات الدخول للمقام

وحين الدخول إلى المقام كانت تقام الصلوات والأدعية وحلقات الذكر ودروس الوعظ والإرشاد مصحوبة بقراءة القران. وكانت أعداد الناس تصل إلى عدة آلاف، مما كان يعني أن الخيام كانت تنصب حول مبنى المقام، وان القادمين الجدد كان يحلون مكان المغادرين.  والواقع أن هذا الموسم كغيره من المواسم كان فرصة ذهبية للوفاء بالنذور وعقد الختان والحلاقة للأطفال الذكور خاصة لأول مرة.  وطبعا كان يلازم كل هذه النشاطات توفير الأكل المجاني لأكبر عدد من الزوار من واقع ريع الوقف السخي الذي خصص لزوار المقام، وكان هناك وفر من البضائع للاستجابة لاحتياجات الزوار، حتى انه وجد نوع مخصوص من الحلاوة أطلق عليها حلاوة النبي موسى. وهكذا تستمر الاحتفالات لمدة أسبوع، وفي يوم الخميس يبدأ الناس بالعودة مع زفة الأعلام الثلاثة (علم النبي موسى؛ النبي داود؛ علم المسجد الأقصى) حتى يصلوا إلى المسجد الأقصى ويدعون الأعلام في أماكنها للموسم القادم.

مقام (مجمع)النبي موسى
التعليقات..