مما يستحق الذكر، ان الطريق فيما مضى كانت تستمر غربا في طريق الخانقاة الصلاحية حتى ما بعد مدخل دير خار الامبوس بعدة أمتار حيث كان أحد مداخل كنيسة القيامة، الذي أغلق والغي في فترة لاحقة. لكن للوصول اليوم الى المرحلة التاسعة، والتي تؤدي بدورها الى كنيسة القيامة، فانه يجب العودة من طريق الخانقاة الصلاحية باتجاه الشرق، والانعطاف جنوبا “يمين” عند المرحلة السابعة في طريق خان الزيت، والسير الى ما بعد مفرق طريق عقبة التكية بعدة امتار، والصعود في الدرج الذي يؤدي الى دير الاقباط القائم في الجهة الغربية من طريق خان الزيت، حيث يقود الدرج الى طريق يوصل الى المرحلة التاسعة والى دير السلطان، حيث سطح كنيسة القديسة هيلانة. في الجهة الجنوبية الغربية من ارضية دير السلطان يوجد باب يفضي الى مدخل كنيسة القيامة عبر المرور في كنيسة الفرسان الاربعة وكنيسة الملاك -المتنازع عليهما بين طائفة الاقباط والطائفة الاثيوبية-.
اهمية الكنيسة
كنيسة القيامة من اهم كنائس القدس وهي أم كل الكنائس في العالم، تعود في تأسيسها الى الفترة البيزنطية وتقع في قلب البلدة القديمة لمدينة القدس، وتعتبر كنيسة القيامة من اشهر الأماكن المسيحية المقدسة، ليس على مستوى القدس وفلسطين بل على مستوى العالم. فهي منذ القرن الثاني الميلادي وحتى اليوم وجهة الحج المسيحي. وكما يدل اسمها فهي موقع قيامة المسيح بعد موته، إضافة إلى موقع صلبه ومعاناته وموته وقبره حسب العقيدة المسيحية. وهي بالواقع كنيسة تنفرد عن بقية الكنائس، كونها تخص جميع الطوائف المسيحية، ويقدسها جميع تلك الطوائف، وهي بالأحرى مجمع معماري كبير، يضم مجموعة كبيرة من الكنائس الصغيرة، تربو مساحته على خمسة دونمات.
مؤسس الكنيسة ومهندسها ومكوناتها
تجمع الطوائف المسيحية، فيما عدا فئة صغيرة من البروتستانت تزعمها الجنرال جوردن Gordon، على ان مكان دفن وقيامة المسيح كانت في موقع الكنيسة الحالي. واسس كنيسة القيامة كل من الامبراطور قسطنطين ووالدته هيلانة، حيث بعث قسطنطين مهندساً، يدعى زنوبيوس، وهو اسم تدمري لبناء كنيسة القيامة. وقد بدأ في بناء كنيسة قسطنطين في سنة 326، وحينما افتتحت سنة 335 ضمت أربعة عناصر معمارية اساسية: فناءً متقدماً Atrium يتوصل إليه عبر ثلاثة أبواب يتقدمهم درج، بازيليكا مشكلة من خمسة أروقة وحنية واحدة ، وساحة مكشوفة عبارة عن حديقة، يعتقد ان مكان الصلب (الجمجمة) كان في زاويتها الجنوبية الشرقية، ثم القبر المقدس (Holy Sepulchure) الذي توسط مبنى دائرياً، وقام أسقف القدس بزخرفة القبر أولا ثم أضاف إليه رواقا، وهذا تم في 384 بعد الافتتاح.
موقف الخليفة عمر (رضى الله عنه) من الكنيسة
هذه الكنيسة خربت وحرقت من قبل الفرس في عام 614 مثل مجموعة اخرى من كنائس فلسطين، مما جعل البطريرك مودستوس Modestus يتوجه للقسطنطينية ويعمل على إعادة ترميمها دونما تغيير كبير لكن بحجم اصغر من السابق. وهذه الكنسية هي التي رفض الخليفة عمر بن الخطاب اقتراح البطريرك صفرونيوس ان يصلي فيها حينما حان موعد الصلاة بينما كان الخليفة داخل كنسية القيامة، معللاً رفضه بأنه يخشى ان يحذو المسلمون حذوه فيسيطروا على الكنيسة فيما بعد. لذا فقد تنحى جانبا وصلى في موقع فضاء، بني فيه مسجد فيما بعد حمل اسم الخليفة.
الحاكم يأمر بهدم الكنيسة والفرنجة تعيد تشكليها
إلا ان النصارى لاحقا عانوا من السياسة المتقلبة للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (386-411/996-1021) مثلهم في ذلك مثل بقية فئات المجتمع الإسلامي في فلسطين ومصر. وكان ذروه المعاناة والتضيق حينما أمر الحاكم في سنة 400/1009 بهدم كنيسة القيامة، لكنه ما لبث ان غير رأيه كعادته وسمح باعادة بناء الكنيسة، وأعاد ابنه الظاهر لإعزاز دين الله بناء القبر المقدس في سنة 418/1027. وفي فترة سيطرة الفرنجة على القدس وفلسطين، قاموا بأجراء التعديلات والإضافات على كنيسة القيامة لكن توج الفرنجة تدخلاتهم في الكنيسة بمشروع كبير غير من تخطيط كنيسة قسطنطين الشيء الكثير وقد شمل ذلك إقامة كنيسة جديدة في عام 1149 تعرف بكنيسة نصف الدنيا (Catholicon) على الطراز الرومانسكي، وجعل لها حنية تطل على قبة القبر المقدس(Rotunda)، وتم إدخال مكان الصلب داخل مبنى الكنيسة وجعل القسم الأسفل منه مدفناً لبعض ملوك الفرنجة، وإضافة برج في عام 1170 لجرس الكنيسة أمام المدخل الذي صمم ليفتح على الجنوب بدلاً من الشرق. ورغم هذا التغير الكبير في مخطط الكنيسة، فإن كنيسة القيامة حافظت على ابرز عناصر قداستها المكونة من القبر المقدس وموقع الصلب.
صلاح الدين وترتيب الاوضاع
وهذا التطور والمخطط لكنيسة القيامة هو الذي شاهده صلاح الدين بعد تحرير القدس من أيدي الفرنجة في عام 583/1187، وقد حذا صلاح الدين الأيوبي حذو الخليفة عمر بن الخطاب في تسامحه وتفهمه للنصارى ولحقوقهم، خاصة الطوائف الشرقية، فحافظ على الكنائس، ومنها كنيسة القيامة، حسب مقتضيات الشريعة السائدة في ذلك الوقت وحسب الاتفاقيات السابقة التي أبرمها الخليفة عمر واقر بها الخلفاء والسلاطين المسلمون. وقام صلاح الدين باتخاذ بعض الإجراءات الوقائية والتي تتلخص بسد الباب الشرقي للكنيسة والاكتفاء بالباب الغربي، وبتحويل دار البطرك إلى خانقاة صوفية عرفت بالخانقاة الصلاحية وبإسناد أمانة حفظ مفاتيح أبواب الكنيسة وفتح وإغلاق باب الكنيسة كل صباح ومساء إلى عائلات مقدسية عريقة كعائلة نسيبه وآل غضية(جودة).
زيارة الكنيسة
المدخل
يتوصل إلى داخل الكنيسة عبر باب مزدوج يفتح على جهة الجنوب ويطل على ساحة مستطيلة مكشوفة (Atrium). ومدخل كنيسة القيامة فخم وعلى ارتفاع مستوى طابقين، القسم الاول عبارة عن فتحتي باب (سدت الشمالية منهما) يعلو كل منها عتب حجري ضخم نقشت عليها زخارف بالحفر البارز تصور أحداثاً في العقيدة المسيحية وقد نقلت هذه الأعتاب إلى المتحف الفلسطيني (روكفلر).
الجلجلة
وعند تخطي المدخل يجد الزائر إلى يمينه (شمال) درجاُ صاعاًد مستحدثاً يوصل إلى مكان الصلب. وقمة الصخرة ترتفع حوالي 5 م عن مستوى أرضية المدخل، وهذا المكان اليوم مقسم إلى قسمين شرقي وغربي، وكل قسم عبارة عن كنيسة صغيرة(كابيلا Chapel)، ومن خلال أسلوب الزخرفة ودرجة كثافتها يدرك الزائر الفرق بين زخرفة الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية والكنيسة الغربية الكاثوليكية. والقسم الشرقي ملك لطائفة اللاتين الكاثوليك، في نهايته الشمالية يوجد مذبح الصلب (The Altar of the Crucifixion) والذي يزينه حفر بارز من النحاس. وهذا المذبح يعود إلى سنة 1588 وأصله من مدينة فلورنسا الايطالية. ويزين جدران وسقف هذا القسم زخارف من الفسيفساء المستوحاة من العقيدة المسيحية وهذه الفسيفساء حديثة ترجع إلى سنة 1937 فيما عدا بعض زخارف السقف فهي فرنجية الأصل أي تعود إلى القرن الثاني عشر. وفي القسم الغربي اليوناني يظهر ما بقي من صخرة الصلب محاطاً بإطار زجاج ويظهر في الصخر صدع حدث حسب العقيدة المسيحية لحظة مفارقة السيد المسيح للحياة بعد طعنه من قبل الجند الرومان وبعد تجريده من ثوبه. ويمثل تجريد المسيح من ثوبه المرحلة العاشرة من مراحل درب الآلام، والمرحلة الحادية عشرة تثبيت المسيح على الصليب بالمسامير، والمرحلة الثانية عشرة موت المسيح، وإنزاله من الصليب المرحلة الثالثة عشرة، والمرحلة الاخيرة تتمثل في دفنه في القبر.
كنيسة ادم وحجر المغسل
يوصل درج نازل يقابل الدرج الصاعد إلى حجر المغسل والى كنيسة آدم (Chapel of Adam). وتستند تسمية هذه الكنيسة إلى التقليد المعروف من ان المسيح مات حيث دفن آدم عليه السلام. وفي صدر هذه الكنيسة التابعة لليونان الأرثوذكس توجد حنية عميقة لها عقد مستدير خلفه يوجد قسم من صخرة الصلب يظهر فيها صدع. ويؤدي باب في الجدار الغربي لكنيسة آدم إلى حجر المغسل الذي يذّكر بمسح المسيح وتغسيله قبل دفنه. ويقوم فوق هذا الحجر ثمانية قناديل بواقع اربعة لليونان الروم(ذوات البيضة المذهبة) واثنين للأرمن وواحد للاتين وواحد للأقباط. وعلى كل طرف من طرفي الحجر يوجد ثلاثة شمعدانات، بواقع واحد في كل جهة لكل من طائفة الروم اليونان وواحد للأرمن وواحد للاتين. والى الغرب من حجر المغسل الأرجواني يقوم جدار حجري يفصل المدخل عن كنيسة نصف الدنيا، وقد زين القسم السفلي من هذا الحائط حديثا بفسيفساء توضح صلب المسيح حسب العقيدة المسيحية وإنزاله من على الصليب والاستعداد لدفنه. وإلى الغرب تقوم كنيسة الأرمن ومذبح المريميات الثلاثة إلى يمينه.
القبر المقدس
وإذا ما انعطف الزائر قليلا إلى اليمين فإن القبر المقدس سيظهر له حيث تقوم فوقه قبة حجرية (Rotunda, Anastasia) كبيرة تقوم على مجموعة من الأعمدة التي تسند رقبة مستديرة تحمل قبة نصف كروية، وقد فتحت عند قطب القبة نافذة مركزية تدخل شعاع من الشمس يترك لمسة شاعرية لفراغ معتم بحاجة إلى إضاءة طبيعية غير متيسرة، وقد زينت القبة باثتي عشرة بتلة طليت بماء الذهب ترمز إلى حواري المسيح الإثناعشر. والقبة من الخارج تمثل إحدى أهم معالم البلدة القديمة مثلها في ذلك مثل قبة الصخرة وان كانت الأخيرة كلها مذهبة فان صليب القبة هنا هو المذهب فقط. هذا وهناك العديد من الصوامع والغرف والقاعات والكنائس الصغيرة التي تعرف باسم كابيلا ترجمة حرفية للكلمة الإنجليزية Chapel في كنيسة القيامة، علاوة على وجود عدة آثار وبقايا متناثرة تخص كنيسة قسطنطين في عدة أماكن قريبة من كنيسة القيامة.