يقصد بالجامع الأقصى ذلك البناء المستطيل المسقوف المكون من سبعة أروقة، الذي يقع تقريبا في منتصف الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى. وهذا التخطيط الحالي هو أخر تطور للجامع الأقصى، ويعود في أصوله إلى تراكمات وتغييرات معمارية أفرزت من عدة مراحل بنائية اختلف في عددها وتاريخها بين المؤرخين والباحثين. ومرد هذا الاختلاف يعود إلى عدة عوامل: منها ان الجامع الأقصى لم يبن على صخر طبيعي، بل أقيم فوق تسوية معمارية قامت على أعمدة ودعامات وذلك نظرا لميل منطقة المسجد الأقصى بشكل عام ومنطقة الجامع الأقصى بشكل خاص نحو الجنوب مما استلزم جسر الفرق في الارتفاعات، وارتبط هذا مع تعرض المنطقة إلى عدة مرات من الزلازل المدمرة، مما أدى إلى تعديل وتغيير في عناصر ومساحة الجامع الأقصى.

 

جهود الخليفة عمر

ان أول مرحلة من بناء الأقصى تنسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب حيث يذكر مجير الدين جهود الخليفة عمر ابن الخطاب، بإنشاء محراب وجامع بسيط التكوين. وان الخليفة عمر  بعد ان نظف منطقة المسجد الأقصى من الركام والقاذورات، وكشف عن الصخرة المقدسة، استشار من معه من الصحابة في موضع المحراب، حيث أشير عليه ان يضع المحراب أمام الصخرة، لكن عمر رفض ذلك قائلا: «… بل نجعل قبلته صدره ]أي جدار المسجد الأقصى الجنوبي[، كما جعل رسول الله عليه السلام قبلة مساجدنا صدورها…».  وأورد الرحالة اركولف (Arculf) في حدود عام 49-50/670 وصفا لمسجد بسيط يقع في ساحة المسجد الأقصى الجنوبية، أقيم على روابط ]خشبية[ عظيمة من مواد أعيد استخدامها كانت متوفرة في المنطقة، وأفاد بان هذا المسجد كان يتسع لثلاثة آلاف مصلً ّ. إن هذا المسجد العمري، الجامع الأقصى الأول، لم يبقَ من أثاره شيئ يلمس.

 

مؤسس الجامع الاقصى

اختلف المؤرخون القدامى ومحدثون في تاريخ المرحلة الثانية، أو الجامع الأقصى الثاني، فمنهم، وهم الأغلب، من نسبه إلى عبد الملك بن مروان(65-86/785-705)، ومنهم من جعله من أعمال الوليد(86-96/705-715) مستندا في ذلك على وثائق من ورق البردي، تنسب انها أرسلت إلى  والي مصر الأموي في عهد الوليد قرة بن شريك(90-96/709-714) تطلب منه إرسال مواد وعمال إلى الأقصى، ومنهم من رأى رأيا توفيقيا بان قال بان عبد الملك بدأ المشروع وان الوليد أكمله. 

 

تطور الجامع الاقصى

وأيا كان الذي أسس الجامع الأقصى الثاني، فانه لم يبقَ من هذا المسجد الأموي إلا الجدار الجنوبي، ذلك ان أكثر من زلزلة ضربت منطقة المسجد الأقصى في سنوات متعددة (منها سنة130/747؛ 158/774؛ 425/1033 مما تسبب في هدم أجزاء كبيرة من هذا الجامع،واستلزم إعادة بنائه. وقد أيدت الحفريات التي نفذها هاملتون في الجامع الأقصى وجود بقايا أموية وعباسية وفاطمية تتناسب مع التعميرات والترميمات التي جرت في هذا الجامع اثر الزلازل التي ضربته.

 

الاقصى رعايته سلطانية

كما كان الحال مع قبة الصخرة، فان الجامع الأقصى،  وعبر تاريخه الطويل تولته الرعاية السلطانية للخلفاء والأمراء والملوك، فبعد سلسلة من الزلازل، تم صيانة وترميم الجامع الأقصى في العهد العباسي عدة مرات، الأولى في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور الذي أعاد بناءه، بعد ان سقط  شرق المسجد وغربه ، ثم وكما قال مجير الدين: «ثم كانت الرجفة الثانية، فوقع بناء أبي جعفر المنصور، ثم تولى المهدي من بعده وكان الأقصى خراباً، فرفع ذلك إليه، فأمر ببنائه وقال: رث هذا المسجد وطال، وخلا من الرجال، انقصوا من طوله، وزيدوا في عرضه، فتمّ البناء في خلافته». وفي فترة الخليفة المأمون (198-218/813-833)، تم تجديد الرواق المركزي الأوسط، وفي ولاية عبدالله بن طاهر(205-207/820-822) تم إجراء  ترميمات لأعمدة رخامية.

 

جهود الفواطم في تعمير الجامع الاقصى

ويبدو ان تخطيط الأقصى الحالي«الثالث»، أي سبعة الأروقة هو نتيجة تطورات معمارية متعددة شملت عدة فترات تاريخية، اختلف أيضا بين المهتمين في بدايتها، لكنها تعود إلى العهد الفاطمي، خاصة بعد ترميمات الظاهر(411-427/1036-1094) التي شملت ترميم العقد الكبير الذي في نهاية الرواق الأوسط وقبل قبة الأقصى، أي العقد الشمالي الحامل للقبة،  والمستنصر(427-487/1094-1101) الذي رمم الواجهة الشمالية للرواق الأوسط في عام 458/1065. وترك المقدسي وصفا للأقصى كما كان في عهده في عام 375/985، حيث أفاد بأنه يتكون من خمسة عشر رواقا. وهناك وصف أيضا من قبل ناصر خسرو يعود إلى سنة 440/1048 يتحدث عن خمسة عشر رواقا، الأوسط أوسعهم ويعلوه سقف جملوني، وينتهي بقبة عظيمة. والأروقة السبعة من كل جانب اقل ارتفاعا من الرواق الأوسط،  وأمكن اعتمادا على وصف المقدسي، ودراسات هاملتون، وأعمال المهندس كمال الدين، وجهود احمد فكري من وضع أكثر من مخطط اجتهادي للأقصى في العصر الأموي وفي العصر العباسي.

 

جهود صلاح الدين

وفي عهد الفرنجة قاموا بعدة أعمال في الجامع الأقصى غيروا من معالمه، والى عهدهم يمكن ان تنسب مجموعة من التيجان والأعمدة المنحوتة،  لكن صلاح الدين أعاد الجامع  إلى سابق عهده وجدد محرابه واحضر إليه منبر نور الدين زنكي، وتوالت التعميرات والترميمات والإضافات على الجامع الأقصى من كافة الأسر الإسلامية حتى وصل إلى تخطيطه وشكله الحالي.  

الجامع الاقصى