وبحرب 1967 سقط باقي المدينة تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث واجهت المدينة تغييرا دراميا. فقد جرى ضم القدس "الشرقية" إلى إسرائيل، وإعلان "القدس الموحدة" عاصمة لدولة إسرائيل. كما أدخلت الجرافات إلى البلدة القديمة لتقتلع بذلك حارة المغاربة، مشكلة ساحة ضخمة أمام حائط البراق. كما تمت مصادرة مساحة شاسعة من البلدة القديمة، تقع بين حائط البراق وحارة الأرمن، وأصبحت تعرف لاحقا باسم "حارة اليهود". وقد جرى إعادة بناء هذه المنطقة، على اعتبار أن ما تم ليس له أية علاقة بمفاهيم الترميم، منتجين بذلك عمارة لا تمت للبلدة القديمة بصلة، لكن بمغزى سياسي واضح.لقد قامت إسرائيل بضم الأرض فيما يعرف بالقدس الشرقية وتوسيع حدود البلدية بمساحة تزيد على 72كم على حساب الضفة الغربية، ضمنت بذلك مساحات شاسعة من الأراضي الفارغة لبناء المستوطنات اليهودية عليها، وخنق سكان القدس من الفلسطينيين الذين منحتهم حق الاقامة المشروطة في القدس وكأنهم زوار جاءوا إلى القدس بطريقة غير مشروعة وبقوا فيها، مما يعرضهم دائما إلى خطر التهجير.
وخارج أسوار البلدة القديمة، تعرضت القدس إلى هجمة استيطانية مريعة، تكللت بعد ثلاثة عقود بإحكام السيطرة على غالبية الأراضي الفارغة، سواء الأراضي الزراعية او المحميات الطبيعية او الأراضي الصالحة للبناء والتمدد الحضري، المحيطة بها، وجرت عملية عزل منظمة للقدس العربية عن محيطها الفلسطيني في باقي أنحاء الضفة الغربية. واليوم لا يستطيع الفلسطيني دخول القدس او الخروج منها دون أن يمر بإحدى المستوطنات اليهودية. كما كان لهذه السياسة بعدا سكانيا، تمثل بمحاولة توطين اليهود داخل القدس العربية، لخلق أغلبية سكانية يهودية. وتتوجت هذه السياسة بإنشاء جدار الفصل العنصري الذي أحاط السكان الفلسطينيين من كل الجهات ومنع تواصلهم مع عائلاتهم وأعمالهم، إلا من خلال بوابات خاصة يمر عبرها الفلسطيني وكأنه يمر من دولة إلى دولة أخرى، ضمن تفتيش مدقق مهين للكرامة الانسانية.أثرت السياسة الإسرائيلية اتجاه "حق المواطنة" للفلسطينيين على حركة السكن وشكل المدينة القديمة والحديثة وذلك بدء بنهاية الألفية الثانية، حيث تحركت أعداد ضخمة من الفلسطينيين من خارج المدينة (بناء على التحديد الإسرائيلي لحدود البلدية) إلى السكن من جديد داخل أسوار المدينة القديمة محدثين بذلك حركة بناء غير صحية، تمثلت على الأغلب بإضافات على المباني القديمة مستعملين بذلك مواد بناء غير مناسبة، ودون إشراف مناسب. كما تمثلت باستخدام مكثف للفراغات فاقت القدرة الاستيعابية للبلدة القديمة، ومنها تحويل بعض التسويات التي بنيت أصلا كمخازن واصطبلات إلى بيوت للسكن، او حتى تحويل دكاكين إلى مساكن. هذه التطورات أدت بالتأكيد إلى تدني مستوى السكن، خاصة وأن غالبية العائدين إلى البلدة القديمة هم من الطبقات الأقل حظا في المجتمع ومن العائلات كثيرة الأولاد.
والحقيقة أن ما شهدته الأحياء الفلسطينية القابعة خارج البلدة القديمة لا يختلف جذريا عن مثيلاتها في البلدة القديمة، فقد أثرت الضائقة السكنية على هذه الأحياء وحولتها إلى أحياء فقر وصفيح، ويكفي أن نعرف أن ما أصدرته بلدية الاحتلال الاسرائيلي من رخص البناء للفلسطينيين في القدس لا يتجاوز منذ عام 1967 ما نسيته 2% من الرخص والباقي أعطي لليهود، علما بأن سكان القدس من الفلسطينيين يتجاوزون ثلث سكان المدينة. هذا عدا عن ما تشهده الأحياء الفلسطينية من أعمال هدم وتجريف واسعين لمبانيهم بحجة البناء غير المرخص, كما شهدت هذه الفترة بروز مؤسسات فلسطينية تعنى بعملية ترميم البلدة القديمة. جاءت المبادرة الأولى في نهاية السبعيناتعندما قامت دائرة الأوقاف الإسلامية بأعمال ترميم واسعة في الحرم الشريف، عقب حرق المسجد الأقصى عام 1969، وكذلك الأمر في المنطقة المحيطة به حيث تركزت على المباني المملوكية مثل المدارس والخانات والأربطة، والزوايا، والمساجد. وخلال الانتفاضة الأولى تشكلت جمعية الرفاه الاجتماعي (سميت لاحقا جمعية القدس للرفاه) في البلدة القديمة التي هدفت إلى تحسين شروط السكن وحماية العقارات من التسرب إلى ملاك غير مرغوبين، حيث قامت بأعمال صيانة لعشرات الأبنية، لتنتقل تدريجيا إلى مرحلة الترميم الشامل لمباني كاملة او شرائح سكنية كاملة وذلك مع مطلع الألفية الثالثة، وبهذا فقد أنجزت بشكل أو بآخر ترميم مئات من الوحدات السكنية.
كما قام بيت الشرق في النهاية الثمانينات وبداية التسعينات بأعمال صيانة مشابهة، ولكن بشكل محدود ضمن إطار تعزيز صمود سكان البلدة القديمة. وساهم رواق ـــ مركز المعمار الشعبي (منذ 1991) بأعمال ترميم لعدد من المباني، كما سجل رواق كل مبنى من مباني البلدة القديمة.وقامت مؤسسة التعاون، بإنشاء وحدة فنية منذ عام 1994 وذلك بهدف إعمار البلدة القديمة، التي قامت بترميم مئات المباني، كما قامت بوضع خطة شاملة، بالاشتراك مع عدد من المؤسسات والمختصين، لترميم وتطوير البلدة القديمة وانتهت من وضعها عام 2001. والحق يقال بأن أعمال مؤسسة التعاون قد اتسمت بالمهنية والمعايير الدولية المتعارف عليها. كماساهمت البعثة البابوية والكنائس المختلفة بأعمال صيانة وترميم لعدد من المباني.وبالإضافة الى ذلك كله، قام بعض سكان البلدة القديمة بأعمال ترميم وصيانة لكثير من المباني. هذه الانجازات ما زالت قاصرة على إنجاز ترميم شامل للبلدة القديمة وذلك نظرا لتعقيدات أوضاعها وزيادة التدخلات الاسرائيلية المعرقلة لعمل المؤسسات المذكورة، حيث تقوم كل من سلطة الآثار وبلدية الاحتلال الاسرائيلي بمحاولات دائمة لفرض شروط شبه تعجيزية. لكن ما تم إنجازه حتى الآن هو عمل رائع بكل ما للكلمة من معنى اذا ما تم قياسه بالظروف السائدة.وفي الآونة الأخيرة (2010-2013) اشتدت عمليات الحفر، بحجة البحث عن الآثار، في المنطقة المحيطة بالحرم الشريف منتجة عددا من الأنفاق باتجاهات مختلفة. لم تضح كل مشاريع الأنفاق بعد، فبالإضافة إلى النفق الذي حفر على امتداد الجدار الغربي للحرم الشريف، يجري شق أنفاق أخرى تقود من خارج المدينة المسورة، خاصة من الجهة الجنوبية، إلى داخلها لتتجمع في ساحة البراق. كما أن هناك مشاريع لشق نفق يبدأ بمغارة سليمان (مغارة الكتان) باتجاه طريق الواد، وبعدها ليصل إلى ساحة البراق. بالإضافة إلى ذلك، أعلن عن مشاريع لشق أنفاق من حارة اليهود باتجاه حائط البراق. والشئ الغريب أن غالبية هذه الأنفاق لا يعلن عنها، وكأنها أعمال سرية. على أية حال، إن تم تنفيذ فتح هذه الأنفاق، فإن صورة جديدة للبلدة القديمة ستكون بانتظارنا، ولا يسعنا في هذه الفترة تقدير حجم تأثير هذه الأنفاق على المدينة وتراثها الثقافي.وهناك مخطط شامل لإعادة تشكيل ساحة البراق بإضافة مبنيين، أحدهما على الجدار الشمالي للساحة، والآخر على الجدار الغربي لها، وكل مبنى سيتشكل من عدة طوابق، كما يجري التخطيط لإنشاء سلسلة من المباني تحت الساحة المذكورة، ولم يحسم بعد مشروع طريق باب المغاربة وكيف سيبدو عليه الجسر المخطط تنفيذه والذي سيربط ساحة البراق بالحرم الشريف، كما لم تضح صورة توسيع حائط البراق باتجاه الجنوب او شكل سطح مبنى المدرسة التنكزية، حيث يخطط لإضافة كنيس على سطح المبنى.
أما المشهد الحضاري المحيط بالبلدة القديمة، خاصة من الجهتين الجنوبية والغربية، فيتعرض إلى تغييرات درامية، أدت حتى الآن، وسنؤدي في المستقبل إلى تغريب الصورة التاريخية للبلدة القديمة، وتحاول فرض هوية حضارية مغايرة لما ساد فيها منذ قرون طويلة. ما هو واضح الآن (2013) ارتباط الآثار والحفريات الأثرية بأعمال الاستيطان اليهودي وتوسيعه في البلدة القديمة، كما أن غالبية أعمال الحفر المذكورة يتم تمويلها من قبل الحركات الاستيطانية اليهودية التي تهدف إلى السيطرة على القدس وتهجير سكانها الفلسطينيين وإحلال مستوطنين يهود محلهم. يتمركز الصراع داخل البلدة القديمة على الحرم الشريف والمنطقة المحيطة به، حيث تحولت هذه المنطقة إلى رمز لهذا الصراع، ولا تقل باقي أحياء البلدة القديمة عن ذلك، حيث تشهد صراعا على كل مبنى. وفي خارج البلدة القديمة يتمثل الصراع في تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى خارج القدس او حتى إلى خارج فلسطين، وترتفع وتيرة الاستيطان بشكل مثير للغاية، كما أن أعمال عزل القدس عن الضفة الغربية بأشكال مختلفة أصبحت ملموسة في كل ساعة من حياة الفلسطينيين البالغ عددهم ما يقارب 400.000 نسمة، حيث أصبح حيزهم السكن مهيمن عليه بشكل كامل. وما يتعرض له الفلسطيني في القدس تتعرض له مؤسساته الدينية والمدنية، فقد تم إغلاق الكثير من المؤسسات الخدمية والتمثيلية والثقافية، وما بقي منها يتعرض للملاحقة الدائمة. وبالمقابل يتم ربط المواطن الفلسطيني بالعجلة المؤسساتية الاسرائيلية لافراغه من هويته الحضارية والوطنية. ما زال مصير القدس غير معروف، ومازالت المفاوضات السياسية جارية او متوقفة لتحديد مستقبلها، ومازالت تتعرض إلى عمليات تغير في وجهها الحضاري، وتسمى هذه العمليات أحيانا "أسرلة" وأحيانا أخرى "تهويد"، لكن النتيجة الحالية أنها تتعرض إلى ضغط غير عادي لتغيير وجهها، وبالمقابل هناك مقاومة مدنية فلسطينية للتمسك بما بقي من حقوق.