تقع كنيسة القديسة حنة أو ما كان يوما مدرسة للفقه الشافعي باسم المدرسة الصلاحية على ُبعد حوالي عشرين مترا إلى الغرب من باب الأسباط في الجهة الشمالية من طريق المجاهدين. والموقع مفتوح للزيارة طيلة ايام الاسبوع ما عدا يوم الاحد، ويغلق الموقع في ساعات الظهر 12-2، والدخول مقابل رسم باستثناء الجمهور المحلي. وبعد الولوج من المدخل، توجد مكاتب الادراة(ت 6281992) وشباك الرسوم الى الغرب(شمال الداخل) في حين تقوم الى الشرق (اليمين) دورات مياه. على بعد بضعة خطوات من المدخل توجد حديقة غنّاء يتوسطها تمثال للاب لافيجري مؤسس رهبنة الاباء البيض، وهذه الحديقة تقوم مكان دير الراهبات الذي اسس في عهد الفرنجة.
عبادة سرابيوس اسكلابيوس
لهذا الموقع تاريخ حافل ونشط منذ أواخر العصر اليوناني وحتى يومنا هذا. ففي البداية أقيم في هذا الموقع بركة كبيرة مكونة من حوضين (الشمالي40×40 م. والجنوبي 65×50 م.) يفصل بينهما سد طوله 60 م. وسمكه 6 م. لتجميع المياه، ما لبث ان تجمع حولها المرضى طلباً للشفاء من إله الطب الوثني سرابيوس اسكلابيوس(Serapis Asclepics). والمعروف إن آثار وبقايا هذه العبادة قد شاهدها السيد المسيح، وقام في هذا المكان بمعجزة شفاء المريض، ليعلن بأن الشافي الحقيقي هو الله.
بناء كنائس بيزنطية وافرنجية
وعلى أثر هذه المعجزة، واعتماداً على التقليد الشرقي، الذي يرى في المغارة القريبة من البركة مكاناً وضعت فيه القديسة حنة السيدة مريم العذراء والدة المسيح عليه السلام، فقد اصبح هذا الموقع محط اهتمام المسيحيين، حيث بدأ الأمر بزيارة المغارات المجاورة، وتطور في العهد البيزنطي الى بناء كنيسة ضخمة فوق البركة امتدت إلى منطقة معبد الطب الوثني، لكن هذه الكنيسة هدمت أثناء الغزو الفارسي، مما حدا بالراهب مودستوس إلى إعادة بنائها. وفي فترة الفرنجة تم بناء كنيسة صغيرة لذكرى شفاء المسيح للمريض المقعد فوق أنقاض الكنيسة البيزنطية، وأخرى كبيرة فوق المغارة التي يعتقد ان السيدة مريم قد ولدت فيها. وهذه الكنيسة لا تزال قائمة محتفظة بأصولها وتخطيطها الإفرنجي، وهي من اجمل كنائس فلسطين.
تحويل الكنيسة الى مدرسة للفقة الشافعي
بعد إجلاء الفرنجة عن القدس تم تحويل هذه الكنيسة في عام 588/1192 إلى مدرسة للفقه الإسلامي عرفت باسم الصلاحية نسبة إلى واقفها السلطان صلاح الدين الأيوبي. وكانت الصلاحية من أشهر وأهم مدراس القدس منذ تأسيسها وحتى عام 1856 حينما قرر السلطان العثماني عبد المجيد منحها لإمبراطور فرنسا نابليون الثالث اعترافاً وشكراً من الدولة العثمانية لفرنسا لموقفها من حرب القرم. فقد كان يُعيّن في هذه المدرسة أعلم وأفضل المدرسين الفقهاء، وكان وقفها من أغنى أوقاف المدارس وقامت بدور رائد في دعم الحياة الفكرية والفقهية في مدينة القدس.
وتقوم الكنيسة الفرنجية الى شمال الحديقة حيث يدخل اليها من باب يقع الى الجنوب من المدخل الرئيسي الاوسط المفتوح في الواجهة الشمالية للكنيسة. وقبل الدخول الى الكنيسة يمكن مشاهدة الاثر الوحيد الباقي في هذه الكنيسة والذي يشير الى أن المبنى كان فيما مضى مدرسة للفقة الشافعى. وهذا الاثر هو لوحة (144سم × 50 سم) لرقم كتابي تأسيسي نقش بخط النسخ الايوبي البارز وهو يتكون من خمسة اسطر ونص النقش هو:
بســـم الله الـــرحمـــن الــــرحيم ومـــا بكم من نـعمة فمن الله هذه المدرسة المباركة وقفها مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الاسلام والمسلمين ابي المظفر يوسف بن ايوب بن شادي محيي دولة امير المؤمنين اعزالله انصاره وجمع له بين خير الدنيا والاخرة على الفقهاء من اصحاب الامام ابي عبدالله مـــحمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه في سنة ثمان وثمانين وخمس مائة.
وصف داخل الكنيسة
يتكون داخل الكنيسة من مسقط مستطيل يشغله ثلاثة أروقة (أجنحة) أوسعها الاوسط، والكنيسة بهذا تتبع نظام البازيكا. وأرضية الكنيسة مفروشة بالرخام وأما سقفها فهو عبارة عن أقبية متقاطعة تستند على عقود قوطية وهذه بدورها تقوم على مجموعة من الدعامات الحجرية المستطيلة. وسقف حنية الكنيسة حيث يوجد المذبح يغطيه قبة نصف دائرية ضحلة تستند على عقود ضخمة. ويلاحظ ان الكنيسة قليلة الزخرفة بتأثير من القديس بندكتوس، وما يوجد من زخرفة يكاد ينحصر أولاً في تزين المذبح بنحت بارز نفذه فيليب كيبلان عام 1954 ويصور مشاهد من البشارة وميلاد المسيح واحتضان السيدة مريم للمسيح بعد إنزاله عن الصليب حسب العقيدة المسيحية، وثانياً في زخرفة لبعض تيجان الأعمدة، حيث يشاهد رأس ثور وهذا رمز للقديس لوقا، وتمثال للنصف الأعلى لإنسان وهو يرمز للقديس متى، وبعضا من تيجان الأعمدة غير المكتملة.
مغارة الكنيسة
تضم كنيسة القديسة حنة مغارة طبيعة، تعلوها حالياً قبة حجرية حديثة ويتقدمها مذبح صغير، وهذه المغارة هي المكان الذي حدد فيه ميلاد مريم والدة المسيح حسب ما هو متعارف عليه في التقليد المسيحي الشرقي، وعليه بنى الفرنجة الكنيسة التي نشاهدها اليوم. ومقابل هذه الغرفة يوجد غرفة تضم ايقونة ميلاد مريم.
بقايا الحفريات الاثرية
قبل التعرف على بقايا المباني والآثار التي كشفت عنها التنقيبات، يجدر التنوية الى ضرورة مراجعة الرسومات والاشكال التوضحية والتي تنسب البقايا الى مبانيها والى فتراتها الزمنية المتعاقبة، هذا علماً انه توجد بعض اليافطات الارشادية المقتضبة الملونة التي تساعد على فهم وتتبع بعض البقايا المعمارية.
بدأت الحفريات في عام 1871 باشراف المهندس موس Mauss وتواصلت لعدة فصول وسنوات، بمشاركة واشراف من الآباء البيض، حتى اكتملت وانتهت عام 1957. وقد كشفت التنقيبات الاثرية عن البركة ذات الحوضين، وعن السد الفاصل بينهما، وعن ابار رومانية، واثار لمعبد الطب، وبقايا لكنيسة بيزنطية، وحنية الكنيسة الفرنجية الصغيرة، علاوة على مجموعة من المغارات والكهوف بعضها استخدم كآبار، وارضيات فسيفساء بعضها يعود الى العهد الاموي. هذا وساعدت قطع الفخار والعملة على تأريخ المناطق التي وجدت فيها.